الهيئة القومية للغابات

fnclogo
title

السياسات والتشريعات

 

لمحة موجزة عن التشريعات التي ساعدت علي تدهور موارد الغابات بالسودان ونداء للتفاكر في الصيغة المثلي لادارة المورد

 

مرت ادارة الغابات بعدد من المحن والكوارث خلال العقود الاربعة الماضية والتي اثرت علي ادائها في الانشطة المختلفة لادارة الغابات وذلك بسبب التشريعات والممارسات غير الرشيدة في ادارة المورد. علي سبيل المثال

صدر في عام 1960 قانون إدارة المديريات وتبعه قانون التعديلات المتنوعة لسنة 1961 حيث انتقلت سلطات مدير الغابات للمجلس التنفيذي للمديرية بالتفويض ولكن سلطات المحلية – كما هو متوقع – بدلاً من أن تقوم بتنمية الغابات وتطويرها استغلت سلطاتها في قطع الغابات لجلب الايرادات للمديريات دون خطة عمل ودون التفكير في إعادة زراعة الغابات وحمايتها.

قانون الحكم الشعبي المحلي 1971:

وفي تطور لاحق للحكم اللامركزي صدر قانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1971 بموجب هذا القانون أصبح للمجلس التنفيذي للمديرية سلطات واسعة في إدارة وتنمية الغابات المحجوزة المركزية والتابعة للمديريات ومارست المجالس الشعبية التنفيذية سلطاتها في التصرف في موارد الغابات حتى أهدرت الموارد نفسها. شهدت هذه الفترة تدهوراً مريعاً لمرفق الغابات وتقلصت مناشط الغابات في الحجز وإعادة استزراع وحماية الغابات وتم فك حجز بعض الغابات دون أي دراسات فنية. أيضاً قامت المجلس الشعبية التنفيذية بفرض رسوم عوائد علي منتجات الغابات علي الرغم من أن ذلك من صميم سلطات وزير المالية بموجب أحكام المادة (3) من قانون العوائد الجليلة لسنة 1939.

 

قانون الحكم الإقليمي 1980:

في عام 1980 حدث تحولاً كبيراً في الحكم اللامركزي بصدور قانون الحكم الإقليمي لسنة 1980 والذي بموجبه تم إنشاء وزارات إقليمية منها الزراعة والموارد الطبيعية وتتبع لها إدارات الموارد الطبيعية بالأقاليم وأقسام الغابات بالمحافظات وأيضاً تم تقسيم السلطات بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية وأصبحت المسائل القومية كالموارد الطبيعية والتعدين والمياه العابرة ومياه باطن الأرض وكل المسائل التي ينظمها تشريع قومي من سلطات الحكومة المركزية.  يقول د. قرشي كنون متشار الهيئة القومية للغابات والمستشار القانوني لجامعة الخرطوم والخبير الدولي للقانون البيئي “ان هذا التفسير الدستوري لم يروق للسلطات الإقليمية التي جعلت الغابات المحجوزة والتي تمثل المصلحة العامة تئن تحت رحمتها وأصبح قطاع الغابات سندريلا لطمع السلطة وإهدار الثروة“.

 

قانون الحكم الشعبي المحلي 1981:

في عام 1981 صدر قانون الحكم الشعبي المحلي لسنة 1981 والذي ألغى قانون الحكم الشعبي 1971. ونص القانون علي إنشاء مجلس منطقة في كل مديرية يكون مسئولاً عن إدارة وتنمية الغابات. بموجب الفقرتين 27، 28 من الجدول الملحق بقانون التعديلات المتنوعة 1982، لمجلس المنطقة سلطة إدارة الغابات المحجوزة التابعة للمديرية، يعلن عن الحقوق الغير مطلوبة للمصادرة، حماية الأشجار لأغراض خاصة، إصدار التصديقات لقطع واستغلال الأشجار، إصدار الرخص للنشاطات داخل الغابة المحجوزة وإصدار القواعد اللازمة لتنفيذ قانون الغابات التابعة للمديريات لسنة 1932 كما أن سلطة حجز وفك حجز الغابات مركزية أو  تابعة للمديرية أصبحت من سلطات حاكم الإقليم المختص.

وأبلغ دلالة للآثار السالبة الناجمة من التحول اللامركزي هذا هو ما عبّر عنه د. قرشي كنون في دراسة تقدم بها لمجلس إدارة الهيئة القومية للغابات:

“This transfer of power regrettably paralyzed the Forest Administration to manage and develop forest and rendered the reserves that represent predominantly national rather than regional interests under the clemency of regional authorities”.

 

مرت الهيئة القومية للغابات بمراحل عصيبة وتوترات عديدة واذكر ان المرحوم كمال حسن ابراهيم بادي اخبرني ان سلطاته كمدير غابات في تلك الفترة لم تتعدي ورشة الغابات بالرئاسة وكذلك اذكرموقف عصيب لمدير الغابات الاسبق المرحوم ابوبكر عبد الرحمن كامل في فترة الثمانينات عند زيارته للاقليم الاوسط وفي بداية الزيارة علم وزير الزراعة بالاقليم الاوسط بزيارته فطلب من العاملين بالغابات عدم استقباله وذهب الي ابعد من ذلك فقد ارسل له خطاب مقتضب يطلب منه مغادرة الاقليم في ظرف 24 ساعة والا سيتخذ الاجراءات القانونية ضده. عاد مدير الغابات الي الخرطوم وهو مكسور الخاطر من هذا الموقف الرهيب.

كذلك مرت مواقف عصيبة للبروف حسن عثمان عبد النور في لامركزية ادارة الغابات وحدث تجاذب رهيب يبنه وحكام الولايات وحاول جاهدا ابراز الدور البيئي والاجتماعي والاقتصادي للغابات للسلطات السياسية في بداية حكم الانقاذ وكتب مذكرات تقسيم السلطة والثروة بين المركز والولايات وسميت بصيغ مختلفة الصيغة الاولي والثانية حتي وصلت الصيغة 12 للتاكيد علي مركزية ادارة الغابات.

تبعه د. عبد العظيم ميرغني ابراهيم والذي استخدم مهاراته في التشبيك والعلاقات بعقد عدد من الاجتماعات والسمنارات لبلورة الرؤية العلمية لادارة المورد

خلاصة القول ان مدراء الغابات عبر الحقب الزمنية المختلفة مروا بفترات وامتحانات صعبة بسبب تدخل السلطات السياسية في ادارة مورد الغابات وكانت اصعبها بداية الانقاذ وهي تسعي لتوسيع الحكم اللامركزي وانزال السلطات الادارية لكل مؤسسات الخدمة المدنية للولايات وهي من صميم فلسفة ونظرية الحكم للانقاذ.

 

الامثلة كثيرة لا يسع المجال لذكرها ولكن تدل هذه المواقف علي التخبط الاداري والتسرع في صياغة التشريعات بدون مشاورات واسعة وبدون اشراك واسع لاهل الشان والخبرة.

 

الصيغة المقترحة لمعالجة وضع الغابات في ظل الحكم الاتحادي وإفرازات الممارسة:

لقد نص دستور السودان لسنة 1998م على ضرورة قيام مجالس قومية لتقوم بقانون اتحادي تتولى قسمة الثروة في مجال الغابات والأراضي بين المركز والولايات وتقدمت الهيئة القومية للغابات بصيغة مقترحة لادارة وأقسام ثروة الغابات والتي إجازتها اللجنة الوزارية الفنية التي تم تشكيلها لهذا الغرض ولكن لم تصدر قرارات المجلس القومي حتى الآن . وقد قدمت الصيغة المقترحة وتوصيات السمنار الذي نظمه ديوان الحكم الاتحادي وتوصيات المؤتمر التنسيقي لوزراء الزراعة والمالية بالولايات بجوبا إلى القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء والذي أجازها و ورفعها بدوره إلى مجلس الوزراء حيث تمت الموافقة عليها بموجب القرار 40 الصادر فى 19/ يناير1997م وقد أوردت الصيغة المجازة المبررات الآتية لقسمة الثروة:-

  • ان البيئة عموماً والغابات خصوصاً ان لم يتم التعامل معها برشد وان تتخذ مسوغاً للتدخل فى الشئون الداخلية للدول وفى هذا الإطار ان منظومة النيل Nile Ecosystem من أهم المنظومات البيئية تهتم بها كل دول الجوار ودول العالم اجمع وبما أن النيل وروافده مياه عابرة فهي شأن اتحادي والمنشآت المقامة عليه كالخزانات ومحطات الكهرباء شأن اتحادي وان الغابات النيلية هي بعض متمم لمنظومة النيل ولاغني عنها لحماية الخزانات من الاطماء فإنها غابات اتحادية ومن الضرورة ان تصبح شاناً اتحادياً.
  • كذلك فان المياه المنسابة من خطوط التقسيم على كتلة جبال الاماتونج وكتلة جبل مرة ومن خطوط التقسيم على جبال النوبه ومن خطوط التقسيم من جبال الانقسنا تلك المياه تمر عبر عدة ولايات وتعتبر مياه عابرة وبذلك فهى شأن اتحادى وبذلك تصبح الغابات التى تحمى خطوط تقسيم المياه شأناً اتحادياً .
  • الغابات التى تحمى الصحراء اشبه بخط دفاع قومي ينبغي أن تكون غابات اتحادية .

وعلى ضوء هذه المبررات جاء القرار (40) حول إدارة واقتسام ثروة الغابات في ظل الحكم الاتحادى على النحو الاتى :-

  • تكون الغابات التى تحمى المياه العابرة والمنشآت الاتحادية الحيوية والغابات الواقعة فى اطراف الصحراء غابات اتحادية تديرها الهيئة القومية للغابات .
  • تعتبر كل الغابات والمؤسسات الشعبية والخاصة القائمة والتى تتم انشاءها تابعة للجهاات التي انشأتها وماعدا ذلك من غابات (محجورة ، تحت الحجز ، ينبغي ان تحجز) تديرها الولاية المعنية.
  • تستمر القسمة الخاصة بالعائد من خارج الغابات المحجوزة بنسبة 40% للولايات و40% للهيئة القومية للغابات و20% لصندوق الحجز.
  • تظل الغابات الاتحادية تحت إدارة الهيئة القومية للغابات على أن تفوض إدارتها لوزير الزراعة بكل ولاية .
  • تلتزم الهيئة القومية للغابات بمصروفات الفصل الاول والثانى والثالث والتنمية فيما يختص بالغابات الاتحادية وتستأثر بعائداتها
  • تلتزم الولايات وكل جهة اخرى بأدارة مصروفات أدارة الغابات التابعة لها وتستأثر ايراداتها.

 

للاسف الشديد لم يتم تطبيق هذه التوجيهات بالطريقة المطلوبة واستحوزت الولايات علي الايرادات دون المشاركة في تسديد منصرفات التشغيل ودون زراعة او اعادة استزراع الغابات بل وتدهورت موارد الغابات بالصورة التي يعلمها الجميع واصبح السودان من الدول المصنفة ذات الغطاء الغابي الشحيح.

تدور الدائرة الان ويسعي والي ولاية سنار بكل قوة واصرار لتحويل غابة اتحادية تحمي المنظومة النيلية الي مزروعات بستانية بحجة ان الغرض من هذه الغابات قد انتفي بعد تحول السكة حديد الي الفلنكات الاسمنتية وانها تسببت في مرض المايستوما الي غير ذلك من الاوهام التي لا تسندها اي مرجعية علمية وصدر توجيه رئاسي باستثمار المساحات غير المنتجة بهذه الغابات الي زراعة المحاصيل البستانية دون ادني اشارة الي قانون الغابات الساري ونزلت هذه التوجيهات الي الغابات والجهات الاخري لتنفيذ الامر. لذلك التاريخ يعيد نفسه من جديد وندخل الدائرة الخبيثة وتدور الساقية.

للخروج من هذه المازق والنفق المظلم لابد من اعادة النظر في النموزج الحالي لادارة موارد الغابات. ليس هناك مبرر من حجز مزيد من المساحات او الابقاء علي هذه المساحات المحجوزة وبها نسبة غطاء شجري لا يتعدي في احسن الظروف 30 في المائة وعدد كبير من المساحات خالية وتنمو فيها الحشائش الضارة وهي مناظر لا تسر بل وتدعو وتشجع وتحفز الطامعين علي استغلالها وصياغة الحيل والحجج لاستحواذها.

في ظل الظروف الراهنة من تدني ميزانية الهيئة وتقلص كوادرها ومعينات العمل الحقلي من عربات والاليات ومن الضغوط العنيفة من هنا وهناك وغيرها لايمكن للهئية ان تحمي وتدير هذا المورد بالكفاءة المطلوبة وعليه ان الاوان بتغير النمط الحالي باشراك المجتمعات المحلية والمجتمع المدني والقطاع الخاص بطريقة تضمن للهيئة الادارة المحكمة للمورد والتقسيم العادل للثروة للفئات المختلفة لكل الولايات وباشراك ذوي الشان في هذه الولايات.

اقترح عقد سمناراو تجمع واسع تدعو له كلية الغابات بجامعة الخرطوم لانها الام التي خرجت الاجيال الحالية منذ العام 1979. يجب ان يكون هذا التجمع جامع فعليا باشراك كل الجهات ذات الصلة بمورد الغابات بما فيها الجهات التشريعية.

هذه لمحات واضاءات عابرة للتشريعات والممارسات غير الرشيدة التي ساعدت علي تدهور مورد الغابات بالسودان.

لا ادعي باني اوفيت الموضوع حقه فهناك خبراء كثر اكثر مني خبرة ودراية وعلما يختزنون الكثير من المعلومات في هذا الخصوص ولذلك اعتبر هذه مشاركة متواضعة مني لتحفيز الزملاء لاخراج ما يكتنزوه من معلومات وافكار جريئة لمصلحة الوطن والاجيال الحالية التي لم تطلع علي هذه الملفات بالتفصيل الكافي.

ونسال الله ان يحفظ غابات السودان التي بزل فيها خبراء الغابات بالمعاش والخدمة منذ الاستغلال وحتي يومنا هذا العطاء الكثير ونترحم علي الذين رحلو عنا والذين استشهدوا في ادغال الجنوب والصراعات المسلحة في بقاع السودان المختلفة من اجل حماية هذا المورد.